اعداد وتأليف:
الأستاذ والباحث محمود الجديدي
الدكتور والباحث خالد الميلي
:ملخص
إن الممارسة التشاركية والمواطنة الفاعلة والقيم المدنية تترسخ في ذهن الطالب وفي سلوكه أولا وقبل كل شيء بالممارسة الميدانية الحقيقية وبعدها ستكون لديه القدرة على التعبير عنها وفهمها نظريا أو حتى كتابة مقالات ومبادرات تساهم في تطويرها. يهدف بحثنا إلى الابتعاد عن التفسيرات التقليدية والمبررة للظواهر التعليمية السلبية التي نريد معالجتها من جذورها، والبحث عن تفسيرات بديلة وحقيقية من داخل المنظومة التعليمية نفسها وليس من خارجها. والغاية هي بناء نظام محصن مقاوم للتأثيرات الخارجية، وهو نظام يزدهر فيه الأغنياء والفقراء على حد سواء، ومناسب للأسر المفككة والمتناغمة، أي نظام يمتص كل التأثيرات الخارجية ويؤثر فيها أكثر مما تفعل. نطرح في هذه الورقة بديل حقيقي لنظام التعليم الحالي في مغلب مؤسساته باعتماد منهج علمي جديد سميناه المنهج الابستيمولوجي يؤسس لعقل علمي ونقدي. وقد ارتأينا أن نقدم نموذجا لمادة نطبق عليها هذه التوجهات نراها على غاية الأهمية في تحديد ملامح التعليم الجديد، هي مادة التربية المدنية، لذلك خصصنا جزءا تطبيقيا في هذا المقال تحت مسمى التربية المدنية نموذجا.
الكلمات المفاتيح: المنهج الابستيمولوجي، نظام التقييم، السلوك المدني، التشاركية.
- المقدمة
المعروف أن الهدف الأساسي من العملية التعليمية الحالية غالبا ما يكون الاختبار أو الامتحان، حيث إن التدريب أو المعرفة الحقيقة ليست بنفس أهمية اجتياز الاختبار والنجاح فيه. ولكن فكرة الاهتمام بدرجة الاختبار المستقبلي له تأثير سلبي على ذهن الطالب حيث تتم برمجته على أساس أن المستقبل بالنسبة له أهم بكثير من اللحظة الحاضرة، وبالتالي يتم التضحية بالحاضر وكل ما فيه من إمكانات تعزز متعة العيش من أجل مستقبل مجهول لا يمكن التحكم فيه ولا يمكن السيطرة عليه. وهنا بالضبط يصبح أسلوب حياة بأكملها، دائماً يضحي الإنسان بلحظاته لأجل شيء غير موجود الآن، فيخلق هذا فراغاً هائلاً في حياته بصفة عامة. هذا البحث يهدف لإعطاء البدائل الممكنة لتأسيس جديد لمفهوم التعليم، واضافة منهج جديد لنظام التقييم في المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها.
يرتكز مشروعنا التربوي البديل على الأفكار التالية:
- تدريس المواد العلمية والاجتماعية وفق منهج ارتأينا أن نطلق عليه “المنهج الابستيمولوجي” نوضح ملامحه في الأجزاء الموالية.
- تشخيص مشاكل التعليم تشخيصا علميا يرجع أصل المشكل إلى المنظومة التربوية نفسها من داخلها وليس من خارجها. أي تشخيصا يبتعد عن المنهج التبريري المعتمد حاليا والذي يرجع أسباب الظواهر السلبية دائما إلى عوامل أو ظروف خارج المنظومة التربوية.
- مراجعة أساليب التقييم التقليدية التي تعيق تنمية الذات البشرية وتوتر العلاقات بين مختلف الأطراف الفاعلة في العملية التربوية وتقضي على الإبداع والتجديد واعتماد أفكار جديدة للتقييم سنوضح ملامحها لاحقا.
- مراجعة الزمن المدرسي والفضاء التقليدي نحو فضاءات أخرى تساعد على استيعاب العملية التربوية.
- الدراسات السابقة
لانت بريتشيت في ورقته العلمية [1] الصادرة عن مركز التنمية العالمية، والتي تهدف إلى تقييم الفرص المتاحة لمواجهة أكبر تحديات التعليم، يعرف اهداف التعليم أساسا على انها تزويد الناس بمجموعة من الكفاءات التي تتضمن المهارات المعرفية وغير المعرفية والمواقف اللازمة لقيادة حياة منتجة ومرضية مندمجة بالكامل في مجتمعاتها. كما تناقش الورقة [1] نطاق وخيارات تحسين كفاءات الطلاب وتصف شروط التعليم الفعال. لكن يقترح بالأساس ان يتم إصلاح التعليم اعتمادا على المواقف السياسية لكل بلد. وفي تقديرنا الإصلاح المفروض أفقيا لا يكون دائما ناجعا ويختلف باختلاف التوجهات السياسية.
أنجريست وآخرون [2] اعتبروا أن كلما زادت القدرة المالية للطالب زادت معه رغبته في التعليم، واقترحوا تسهيل التمويل المقدم من الشراكات الخاصة والدمج ما بين القطاعين العام والخاص لتلبية احتياجات التعليم الأساسية.
ولكن نعتبر أن مثل هذه التمويلات من شأنها أن توجه التعليم الى ما يريده الممول أكثر من الاهتمام بالعملية التعليمية في حد ذاتها. بالإضافة أنه سنبين لاحقا ان لا علاقة بين القدرة المادية والرغبة في التعليم خلال تحليلنا للدراسة التي قمنا بها.
أنجريست وآخرون [3] بينوا ان عدد الطلاب في الفصل له تأثير على درجات نجاحهم في الاختبارات، وتشير تقديراتهم إلى أن تقليل حجم الفصل يؤدي إلى زيادة كبيرة في درجات الاختبار لطلاب الصفين الرابع والخامس، وإن لم يكن لطلاب الصف الثالث. ولكن نعتقد بأن تقليل عدد الطلاب لا يحل الإشكاليات الحقيقية التي تعاني منها المنظومة التعليمية الحالية حيث أنا مشروعنا لا مكان للاختبارات التقليدية فيه أصلا.
بيرمان وآخرون [4] استخدموا نموذج ماركوف الانتقالي للتعليم المطبق على البيانات التجريبية لتقييم تأثير الحالة المادية للطالب على تحصيله الدراسي، بما في ذلك سن القبول في المدرسة، ومعدلات التسرب، ومعدلات الرسوب في الصفوف، ومعدلات العودة إلى المدرسة. التجارب الموجودة بالمقالة [4] تعتمد أساسا على المحاكاة ومن أهم النتائج أن هناك زيادة قدرها 0.7 سنة في متوسط مستويات التحصيل العلمي عند الطلاب وزيادة بنسبة 21٪ في نسبة الأطفال الملتحقين بالمدارس الإعدادية، مع تأثيرات أكبر إلى حد ما على الأولاد مقارنة بالبنات. ولكن يبقى محتوى المقال بعيد عن تشخيص واقعي وحقيقي لأسباب العزوف عن الدراسة أو ضعف نتائج الطلاب، مما يأكد انه توجد إشكالية عميقة في النظام التعليمي الحالي، ولكن لا يوجد تشخيص واقعي لإيجاد الحل المناسب لكل المشاكل التربوية التي نلاحظها في مؤسساتنا التعليمية.
جيجارو وآخرون [5] في مقالتهم التي تتطرق لأسباب الاختلافات في تطوير التعليم بين المقاطعات الأكوادورية، اعتمد مؤشر التعليم على مستوى المعيشة في كل المقاطعات باستخدام قواعد البيانات الدقيقة من قياس مستويات المعيشة في الإكوادور ما بين سنوات 2005-2006 و2013-2014. وتظهر النتائج أنه يوجد زيادة إجمالية في التطوير التعليمي للمقاطعات الأكوادورية التي تتوافق مع زيادة في المستوى الاجتماعي والاقتصادي كما أظهرت الدراسة أن بعض السياسات العامة الحكومية تؤثر على قطاع التعليم سلبا وايجابا. ولكن تبقى الدراسة مقتصرة فقط على الجانب المادي للطلاب وهذا لا يشمل كل أسباب ضعف المنظومة التعليمية بصفة عامة.
رغم أهمية الدراسات السابقة في مجال تطوير التعليم واصلاحه تبقى جل هذه الدراسات تقتصر على التأثيرات الخارجية لقطاع التعليم كالدعم المادي أو السياسي وارتكزت أصلا على تصورات نعتبرها غير دقيقة في تشخيص مشاكل التعليم الحالي كالتمييز بين الجنسين أو تقسيم الدول الى دول نامية ذات تعليم منخفض المردود ودول متقدمة ذات تعليم متميز. حيث إن طرحنا في هذه الدراسة يشمل كل الأجناس وكل أنواع الدول، ويحدد بدقة كيفية تحسين وضع التعليم وذلك بتغييره شكلا ومضمونا، ونسعى من خلال هذا العمل الى إرساء معاني جديدة كليا لمفهوم التعليم.
في الأجزاء الموالية نوضح منهجنا لبناء العقل العلمي والنقدي لدى المتعلم أو الطالب) الجزأ الثالث (، حيث نبين في الجزأ الرابع مقاربتنا الخاصة في تشخيص مشاكل التعليم. في الجزئين 5 و6 نحلل بطريقة تفصيلية الدراسة التي قمنا بها على مدى خمس سنوات متواصلة ونوضح الحلول الجوهرية لتلك المشاكل. الجزأ السابع نقوم بمحاكاة كل تلك الحلول على مقرر ” التربية المدنية” والذي سيكون عبارة على نموذج لباقي المقررات. والجزأ الأخير نلخص فيه مجمل رؤيتنا نحو تعليم جديد.
- المنهج الابستيمولوجي هو طريق بناء العقل العلمي والنقدي
يختلف العقل العلمي عن العقل العاطفي أو الأسطوري، فالعقل العلمي هو عقل مفاهيمي يفصل بين المفاهيم على أساس أن الانتقال من مفهوم إلى أخر يقتضي بالضرورة مسافة ابستيمولوجية بينهما وتلك المسافة لا تلغي المفهوم السابق بمعنى التنكر المطلق له وإنما توضح الفواصل بين المفاهيم وتبرز التحولات أو الآثار التي أحدثته المفاهيم الجديدة في الواقع وتركز عليها.
من الضروري أن يستوعب أستاذ المادة العلمية طبيعة الانتقال ونوعيته وليس فقط كمه أو تاريخ اكتشافه، فكل انتقال هو تصور لحياة جديدة وقيم جديدة حاسمة لا تسمح للقيم القديمة بأن تنافسها، بل تضعها في إطارها التاريخي المرحلي.
إن المنهج الابستيمولوجي في المواد العلمية هو ضامن دمج المفهوم الجديد أو الفكرة أو المعلومة في واقع الحياة وإضفائها المعني القيمي والواقعي على السواء ليكون هذا المفهوم الجديد أداة تغيير وتأثير في الحياة، وليس مجرد درس نمتحن من أجله دون إدراك أبعاده الفلسفية.
إن المنهج الابستيمولوجي هو الذي يجعل المفاهيم تبنى بناءا هرميا وتفاعليا في نفس الوقت على قاعدة المسافات الفاصلة بينها والتي لا يتنافس فيها القديم مع الجديد، بل يتفاعلان معا من أجل إدراك اخر.
لتوضيح طرحنا أكثر سنستعين بالأمثلة التالية، فعندما اخترع أديسون المصباح الكهربائي لم يكن عمله ذلك تطويرا لفكرة الشمعة كما يسهل على المخيال العاطفي تمثله وإنما هو قطع مسافة نوعية مع هذه الفكرة نحو تأسيس مفهوم جديد للإضاءة يرتكز على قيم علمية مختلفة عن سابقتها تعلن عن بداية مرحلة علمية جديدة. فبين الشمعة والفانوس مسافة ابستيمولوجية علمية وثقافية على الفاعلين في العملية التربوية إدراكها. فاختراع الفانوس لم يكن مجرد حدث تاريخي علمي عابر وانما هو تسجيل لنقطة قيمية فاصلة بين زمنين مختلفين.
كذلك فإن اختراع الطائرة كان وليد عقلية علمية فاصلة وضعت شروط ولادة عصر طيران الإنسان باكتشاف الجاذبية كقوة فيزيائية قابلة للقياس ويمكن التعامل معها بمنطق علمي فيزيائي بحت يجعل الطيران فعلا ممكنا. لم يكن طيران الإنسان واردا قبل ذلك عندما كان يفسر صعود الأشياء أو سقوطها بالخفة والثقل، أو بحنين الأشياء إلى الأرض أو إلى السماء.
من المهم إذن أن يكون أستاذ المادة العلمية متمكنا من هذه الفواصل ومدركا لتلك المسافات الابستيمولوجية التي بينها ليس فقط من زاوية الأرقام والمعادلات والقواعد المعرفية المعدة للحفظ أو الفهم أو إجراء الفروض التطبيقية المجردة وإنما أيضا من زاوية تأثير ذلك على الواقع وعلى رؤيتنا للعالم.
- المقاربة الابستيمولوجية في تشخيص مشاكل التعليم:
إن عديد الظواهر التربوية كالفشل المدرسي والدروس الخصوصية أو الغش في الامتحان تفسر في أغلب الأحيان تفسيرا تبريريا أو انطباعيا بإسباغ أحكام أخلاقية على مسبباتها ومن ثمة إخضاعها إلى تشخيص خاطئ يعسر فرص علاجها أو يجعله مستحيلا، كتفسير ظاهرة الدروس الخصوصية مثلا كنتيجة لجشع الأستاذ أو لطمع الطالب. كما تفسر ظاهرة الغش بكونها انعكاس لسوء أخلاق الطالب أو تفسر ظاهرة الفشل المدرسي بعوامل خارجية اجتماعية، أو اقتصادية كالفقر، أو التفكك الأسري، أو مخالطة أصحاب السوء مثلا.
هذه الظواهر السلبية في الواقع هي ليست إلا نتائج حتمية (” شبه فيزيائية”) تعود أسبابها المباشرة إلى خلل داخلي أو ثغرات في المنظومة التربوية التقليدية ذاتها قبل أن تكون خارجها، فلا يجب أن تفسر بسوء أخلاق أحد ولا أن تبرر بعوامل خارجية.
مشاكل التربية إذن هي ظواهر من صميم المنظومة نفسها وليست من خارجها، فالدروس الخصوصية مثلا هي ظاهرة تفرزها الفوارق في الضوارب بين مختلف المواد التعليمية الرسمية والتي تؤسس علاقات تقوم على أساس قاعدة العرض والطلب ولا علاقة لها بثنائية الخير والشر الأخلاقية كما يحاول بعض المزايدين ترويجها خاصة في ظل منظومة تقييم جزائية نفعية تقليدية تركز على النتائج ولا تهتم بالتكوين.
يكمن الحل إذن في إلغاء العمل بالضوارب إلغاء تاما، فنقضي بذلك على مشكلة تغول بعض المواد على المواد الأخرى ويتقلص بالتالي تأثيرها المباشر على نتائج الطالب. عندها ستتضاءل تدريجيا وأوتوماتيكيا ظاهرة الدروس الخصوصية أو تنعدم دون الحاجة إلى قوانين ردعية لن يكون لها أي فائدة.
من الخطأ كذلك إرجاع ظاهرة الغش في الامتحان المتفشية في مدارسنا إلى هبوط أخلاقي طلابي، هذه الظاهرة في حقيقة الأمر تعود إلى طبيعة الامتحان نفسه الذي يعتمد على ارجاع المعلومة او الفكرة وليس توظيفها أو إعادة انتاجها. كما يعود إلى الوصاية الأخلاقية التي تمارس على الطالب من خلال دور المراقب الصارم الذي يلعبه الأستاذ أثناء الامتحان.
ففي حقيقة الأمر لا يوجد فرق بين الطالب الذي قام بالغش في الامتحان وبين زميله الذي نقل في ورقة الإجابة ما حفظه عن ظهر قلب.
ان التقييم الجزائي التقليدي و المراقبة الصارمة من منظور علم النفس التربوي لا يساهمان في تطوير جانب تحمل المسؤولية في ذهن المتعلم و الذي يجب أن يترسخ في شخصيته، إذ أن الرقابة الصارمة للممتحن تخلي عنه جانب المسؤولية وتلقيها على المراقب و تجعله يبحث طول الوقت عن ثغرات تلك المراقبة التي لا تمثله والمسلطة عليه و يكون استغلال تلك الثغرات شرعيا و مبررا من زاوية الممتحن، لذلك لا يتردد هذا الأخير في الاعتماد على الغش إذا سنحت الفرصة ، دون أن ينتابه أي شعور بالذنب ، بل أحيانا يكون النجاح في الغش بطعم الانتصار ومجلبة للفخر والإعجاب والرضا .
بالإضافة إلى ذلك فان منظومة التقييم الجزائي التقليدية تساهم في توتير العلاقة بين المعلم الذي سيسند له دور المراقب والذي سيتقمص دور القاضي أو المحاسب لاحقا وبين المتعلم المراقب والمترقب لحكم “القاضي”.
يكمن الحل إذن من وجهة نظرنا في رؤية بديلة لمنظومة التقييم الجزائي يكون فيها الطالب مبدعا ومنجزا ويكون فيها الأستاذ مرافقا ومساعدا.
أما ظاهرة الفشل التربوي فيمكن التقليص منها تدريجيا بعد معالجة الظواهر سابقة الذكر المتمثلة أساسا في إلغاء الضوارب و إيجاد منظومة تقييم جزائية بديلة تراعي الاختلافات بين المتعلمين و تصقل مواهبهم و تغذي ميولاتهم و بعد الكف عن إرجاع مسبباتها إلى عوامل خارجية اجتماعية أو اقتصادية أو أخلاقية لا ننكر تأثيرها لكننا نعتبرها ثانوية في أحسن الأحوال و كثيرا ما تأخذ اتجاها تبريريا على أهميتها ، كالفقر و العنف و المخدرات و التفاوت الاجتماعي و المشاكل العائلية كالطلاق و التفكك الأسري والصراع بين الأجيال وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي ، هي بدون شك ظواهر اجتماعية و اقتصادية سلبية يجب على الدولة و الأطراف المعنية معالجتها في جميع الأحوال و بقطع النظر عن علاقتها المباشرة أو غير المباشرة بالظواهر التربوية سالفة الذكر و التي يجب في كل الأحوال معالجتها من منظور تربوي بحت و إلا سنكون في خانة المتفرجين و المبررين لها بقصد أو بغير قصد .فالمنظومة التربوية التي ننشدها محصنة و تتلاءم مع كل الظروف وتؤثر فيها أكثر مما تتأثر بها.
يهدف بحثنا هذا إلى الابتعاد عن التفاسير التبريرية التقليدية لتلك الظواهر التربوية التي نريد معالجتها من جذورها، كما يهدف إلى البحث عن تفاسير بديلة وحقيقية من داخل “السيستم” نفسه وليس من خارجه، مما يساعدنا على بناء منظومة محصنة ومقاومة لتلك المؤثرات الخارجية، منظومة ينجح فيها الفقير والغني على السواء وتناسب كل من المفكك والمنسجم أسريا وتتماشى مع بعيد المسافة أو قريبها، أي منظومة تستوعب كل تلك المؤثرات، تؤثر فيها أكثر مما تتأثر بها.
فمن خلال دراسة معمقة وعلى كل المستويات سوى كانت طلابية أو مؤسساتية أو عائلية، تبين لنا أن الفشل المدرسي مثلا لا علاقة مباشرة له بفقر، أو ثراء، أو طلاق، أو تفكك أسري أو يتم أو رفقة سوء أو أي سبب من تلك الأسباب الاجتماعية أو الاقتصادية التي كانت تعتبر في مقدمة الأسباب التي تفسر بها ظاهرة الفشل التربوي في رأي الكثيرين والتي نعتبرها في بحثنا هذا مجرد تبريرات خارجية تبعدنا عن مقاربة الأسباب الداخلية الحقيقية للسيستم نفسه التي تأدي للفشل والكشف عنها.
لقد بينت الدراسة المعمقة التي قمنا بها، أن الفقر مثلما كان عائق نجاح في ظاهره لدى البعض، كان كذلك حافز نجاح لدى البعض الآخر، وكما كان الثراء أيضا عاملا مساعدا على النجاح لدى البعض كان عائقا له لدى البعض الآخر، ونفس الاستنتاجات تقريبا توصلنا إليها مع بقية المؤثرات الخارجية. ومع ذلك لا يمكن النفي قطعا أن تلك الظروف والعوامل الخارجية قد كان لها أثرها في النجاح أو في الفشل ويعود ذلك إلى قابلية المنظومة التربوية الحالية الهشة وغير المحصنة للتأثر بأي ظرف خارجي.
الدراسة اعتمدت أساسا على استبانات امتدت لخمس سنوات متواصلة من 2017 إلى 2022، وكانت حسب الخطوات التالية:
– بعد صدور بطاقات النتائج في كل فترة يتم تكوين قائمتين من الطلبة، تتضمن القائمة الأولى كل الطلبة الذين كان ترتيبهم ضمن المراتب الخمسة الأولى من مختلف الفصول والمستويات. وتتضمن القائمة الثانية كل الطلبة الذين كان ترتيبهم ضمن المراتب الخمسة الأخيرة من مختلف الفصول والمستويات.
– يتم جمع المعطيات والبيانات التي تخص الظروف المحيطة بهم على المستوى العائلي والاجتماعي والاقتصادي لكل طالب، معتمدا في جمع تلك المعطيات على ما توفره الوثائق الرسمية من الإدارة وعلى الطلبة أنفسهم بعد إجابتهم على أسئلة الاستبانة.
– يتم تصنيف تلك المعطيات في جداول تفصل منهجيا بين ما هو عائلي علائقي وبين ما هو اجتماعي وما هو اقتصادي.
حيث يشمل الجانب العائلي الحالة المدنية للوالدين ومستواهم الثقافي ودرجة الانسجام بينهما ونوعية العلاقة التي يقيمانها مع الأبناء (حوار أم تسلط). ويشمل الجانب الاجتماعي والاقتصادي قدرات العائلة المادية ودرجة انصهارها في مجتمعها المحلي.
أجريت الدراسة على عينة تتكون من 600 طالب درسوا جميعهم في معهد بني خلاد بمحافظة نابل التونسية ما بين سنتي 2017 و2022 وكانت نتائج الدراسة مبهرة نلخصها كما يلي:
- تضمنت القائمة الأولى 300 طالب متفوق من بينهم 216 من طبقات متوسطة و39 من الميسورين و45 من ضعاف الحال. من بينهم أيضا 116 من عائلات مثقفة و27 ينتمون لعائلات تعيش تفككا أسريا أو انفصالا من بينها 13 حالة طلاق فعلي، كما تضمنت القائمة 11 حالة يتم من بينها 3 حالات قبل بلوغ سن الدراسة.
الرسوم البيانية رقم 1 ورقم 2 يلخصان المعطيات الخاصة بالقائمة الأولى:
الرسم البياني عدد1: المستوى الاقتصادي لعائلات الطبقة الأولى
الرسم البياني عدد2: المستوى الاجتماعي لعائلات الطبقة الأولى
- أما القائمة الثانية فقد تضمنت 300 طالب من أصحاب النتائج الضعيفة، من بينهم 217 من طبقات متوسطة و38 من الميسورين و45 من ضعاف الحال. ومن بينهم أيضا 95 من عائلات مثقفة و28 ينتمون لعائلات تعيش تفككا أسريا أو انفصالا من بينها 10 حالات طلاق فعلي. كما تضمنت القائمة 13 حالة يتم من بينها 4 حالات قبل بلوغ سن الدراسة.
الرسوم البيانية رقم 3 ورقم 4 يلخصان المعطيات الخاصة بالقائمة الثانية:
الرسم البياني عدد3: المستوى الاقتصادي لعائلات القائمة الثانية
الرسم البياني عدد4: المستوى الاجتماعي لعائلات القائمة الثانية
إن دلالة البيانات المجمعة لكلتا القائمتين والمعروضة في الرسم البياني عدد 5 تبرز بوضوح أن تلك المؤثرات الخارجية سالفة الذكر، جميعها تلعب دائما الدور ونقيضه، فهي تكون محبطة بالقدر نفسه الذي تكون فيه محفزة، وبالتالي نستخلص أنه من الممكن إيجاد المنظومة التي تستوعبها جميعا حتى لا تكون مبررا لأي فشل محتمل ولكي يكون التركيز دائما في أي إصلاح قادم على المنظومة التربوية من داخلها.
الرسم البياني عدد5: نتائج الطلبة حسب الحالة الاجتماعية
- منظومة تعليمية بدون اختبارات:
تعود الأسس الفلسفية لمنظومة التقييم الجزائي الجاري بها العمل الآن إلى رؤية قديمة تعتبر أن المعلم هو المالك الوحيد للمعرفة والمعلومة، وبالتالي تقر ضمنيا بندرة مصادر المعرفة. هذه الرؤية تبرر أو تشرع لمنظومة الامتحانات التقليدية والسائدة في أنظمتنا التعليمية: طالب يمتحن على مدى استيعابه لتلك المعرفة أحادية المصدر ومعلم صاحب سلطة معرفية يراقبه أثناء الانجاز كي لا يغش (وهي مراقبة أخلاقية بالأساس) ثم في مرحلة أخرى يقيم عمله ويجازيه عليه وفق معايير يضبطها.
فهل أن منظومة الامتحانات التقليدية الحالية مواكبة للنظريات البيداغوجية الحديثة أو للتحولات الاجتماعية والسياسية والفكرية والتكنولوجية وما تحدثه من تأثيرات نفسية وذوقية وسلوكية وقيمية في مجتمع المتعلمين وعقلياتهم؟
هل أن نهاية عصر الرعوية السياسية كما هو معلن في أغلب المجتمعات وبروز قيم الديمقراطية والتشاركية والمواطنة المسؤولة والحوار والعلاقات الأفقية وما تحدثه من تحولات على النمط المجتمعي هي نفس القيم التي أنتجت منظومة الامتحانات التقليدية والسائدة؟
إذا نظرنا بتعمق لذلك الدور المسند للأستاذ كمراقب امتحانات أثناء حصص الاختبارات ونطرح الأسئلة النقدية الثلاثة التالية: ماذا يراقب ومن يراقب ولماذا يراقب؟
قد نجيب عن السؤال الأول بأنه يراقب حسن سير الفرض الذي يمكن أن يعرقله الطالب وعن السؤال الثاني بأنه يراقب الطالب كي لا يغش وعن السؤال الثالث بأنه يراقب الفرض من أجل ضمان تكافئ فرص النجاح لجميع الطلبة.
إذن هي رقابة أخلاقية بالأساس تقوم على فكرة الوصاية الأخلاقية، وبالضبط هو الدور اللاعلمي أو اللامعرفي للمعلم، بالتالي تبرز الإشكالية في قيمة هذا الدور وماهية الإضافة التي يمكن أن يقدمها؟ وهل أن الوصاية الأخلاقية بهذا الأسلوب تساهم ايجابيا فيما هو منتظر من المنظومة التربوية بيداغوجيا ومعرفيا أو حتى أخلاقيا وتربويا؟
ألا تساهم منظومة لامتحانات بشكلها الحالي في توتير العلاقات بين مختلف الأطراف الفاعلة في العملية التربوية؟ ثم أليست من بين أسباب تفاقم ظاهرة الغش في الامتحانات هي الامتحانات نفسها وخاصة طريقة مراقبتها؟
أليست الاختبارات بشكلها الحالي سببا مباشرا في توتير العلاقات الأسرية أيضا بين أبناء يشعرون أنهم يدرسون مجبرين على تلبية رغبات ابائهم في التفوق لا رغباتهم وبين أولياء يضغطون طوال الوقت مما يدعم لدى الناشئة إحساسا بأن النجاح في الدراسة هو ليس الا نجاة من غضب الولي، فأي انتظارات نجاح نوعي يمكن أن تحققها هكذا منظومة بتلك المعادلات وتلك العلاقات؟
من الواضح أن هناك حتمية ما سوف تنهي المنظومة التقليدية للامتحانات وأن طرحا بديلا سيفرض نفسه، فما هو هذا الطرح البديل؟
فيما يلي من أقسام نحاول الإجابة عن هذا السؤال الجوهري.
- التقييم الجزائي بالمشروع:
إن المعلم والمتعلم في ظل منظومة راشدة كلاهما شريكان في انجاز مشروع يتفقان عليه. سيلعب المدرس دورا آخر مختلفا اختلافا نوعيا عن سابقه. سيتخلى عن انتحال صفة المراقب الأخلاقي الغير مجدية ليكون مساندا حقيقيا وموجها ومرشدا ومتابعا لتمشيات للمتعلم طيلة مراحل الانجاز. من شأن هذه الطريقة أن توحد أهداف الفاعلين الأساسيين في العملية التربوية وتحول دون تضاربها وأن تزيل التوترات والتشنجات الخارجية والتي لا علاقة لها بالوظيفة التربوية.
هكذا سيتمكن كل من المعلم والمتعلم من بناء علاقة تربوية حقيقية تفاعلية وتشاركية وعلمية وتضامنية طيلة مراحل انجاز المشروع وتلك هي الأخلاق الحقيقية والعلمية من منظورنا البشري المتواضع والنسبي والتي تختلف نوعيا عن أخلاق الواعظ غير المجدية والسائدة في منظومتنا. أما بالنسبة للتقييم الجزائي للمشروع فهو يكون أثناء الانجاز وبعده.
- مقرر التربية المدنية نموذجا:
نحو تأسيس علاقة جديدة بين المنظومة التربوية من جهة وبين بقية مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني من جهة أخرى.
من خلال تجربتنا في تدريس عدة مواد من ضمنها مقرر التربية المدنية، نلاحظ أن القيم التي تسعى المادة إلى غرسها في الناشئة هي عبارة عن منظومة متكاملة ومتكتلة تشكل جسما متماسكا مترابطا يستدعي فهم كل قيمة منها – بالضرورة – استحضار القيم الأخرى مجتمعة، إذ لا يمكن مثلا الفصل بين قيم التسامح وحق الاختلاف والمساواة والحرية من جهة و بين المواطنة و الديمقراطية و حقوق الإنسان من جهة أخرى. كما لاحظنا أن المنظومة التربوية التقليدية – شكلا ومضمونا – تربك ذلك الجسم وتغرق المادة في التنظير وتحبط كل محاولة تهدف إلى جعل المادة سلوكية أكثر.
إننا في مقاربتنا هذه نعمل على إيجاد منهج مغاير وإطار زمني ومكاني ولوجستي مختلفا عما هو عليه الحال، فنحن لا نبحث عن إجابات جديدة عن أسئلة قديمة، بل الجدة تشمل الأسئلة أيضا. إننا نبحث عن تغيير شامل وجذري يجعل المادة أكثر ممارسة وميدانية ونجاعة وتفاعلا مع الواقع.
إن القائد الماهر في نظرنا هو ذاك الذي يقود سيارته في الطريق متحكما في مركبته مسيطرا ومحترما للإشارات المرورية التي تعترضه فعلا، وليس ذاك الذي يحفظ كتابا في أصول القيادة أو يجتاز بنجاح امتحانا – كتابيا أو شفويا – عن مهارة قيادة السيارة.
إن منهجنا يطالب الأستاذ دائما بالوقوف على المسافات الابستيمولوجية بين تلك القيم الإنسانية والمبادئ الديمقراطية والمواطنية التي نرغب في غرسها في الناشئة وبين مفاهيم أخرى منافسة لها) قد تكون مثلا قبلية أو عشائرية (هي ليست تاريخية بالضرورة، بل تضل فاعلة في الأذهان رغم انتقاء شروط ظهورها المادية. فالمواطنة كما يجب أن تكون هي قطع مع مفاهيم الرعوية السياسية بشكلها الحالي المتجدد قبل التاريخي. والديمقراطية التي يكون فيها المواطن مشرعا للقوانين هي قطع على السواء مع التيوقراطية أولا ومع الدكتاتورية ثانيا.
ليست المواطنة مجرد حدث تاريخي ولا هي مجرد واقعة قائمة في الوجود العيني مع أنها لم تظهر الا في العصر الحديث ولم يكن اكتساب صفة المواطنة بالأمر الهين بل كان نتيجة نضالات مستديمة مستميتة امتدت على مدى ثلاثة قرون. فالقرن الثامن عشر أنتج مفهوم ” الحق المدني” والقرن التاسع عشر أنتج مفهوم ” الحق السياسي” أما القرن العشرين فقد أنتج مفهوم ” الحقوق الاجتماعية”. وليس لهذا التتالي في الزمن وما يحمله من فواصل ابستيمولوجية أن يخفي عنا وحدة محددات المواطنة الثلاثة المدني منها والاجتماعي والسياسي. وهو ما يجب أن يدركه أستاذ المادة وأن يعيه المتعلمين؟
من الضروري أيضا أن تنفتح المنظومة التربوية على نظيرتها الثقافية وأن تتكامل معها. هذا التكامل بين المنظومتين التربوية والثقافية كما نراه في هذا البحث، قد يكون مفيدا للمنظومتين، فكما نجحت المنظومة الثقافية إبداعيا نجاحا نسبيا إلا أنها بقيت للأسف نخبوية كذلك نجح التعليم في أن يكون شعبيا إلا أنه فشل في أن يكون تثقيفيا، بالإضافة إلى أنه بقي مغرقا في التنظير وهي مفارقة نؤسس عليها مشروعنا التربوي- الثقافي (من خلال مادة التربية المدنية)، حيث تستفيد الثقافة من شعبية التعليم لتتجاوز نخبويتها ويستفيد التعليم من الثقافة ورؤيتها الفنية الإبداعية ليتجاوز التنظير ويلتحم بالإبداع.
هذا التكامل بين المنظومتين يمكن أن يتحقق من خلال مادة التربية المدنية الذي نقترح تغيير اسمها إلى ” التدرب على المواطنة ” وجعلها تنفتح على مؤسسات المنظومة الثقافية منهجا وفضاءا ومضمونا مما يجعل من المادة ميدانية أكثر وإبداعية، ومن الأنشطة الثقافية شعبية أكثر ومنفتحة على الشباب الطلابي.
نحن لا نملك في الحقيقة أفكارا نهائية جاهزة للتنفيذ لأن مشروعنا نريده تفاعليا تشارك فيه كل الأطراف، فنانون، أساتذة، طلبة، أولياء، مراكز ثقافية، دور شباب، جمعيات، مراكز بحوث ومختلف مكونات المجتمع المدني … لكننا نملك تصورا عاما وخطوطا عريضة قابلة للتفاعل والإضافة والتشكل تلقائيا، تتمثل عناصرها فيما يلي:
_ اعتبار المراكز الثقافية ودور الشباب ومقرات مؤسسات المجتمع المدني هي الفضاء الأنسب لإنجاز هذا البرنامج.
_ ينجز الطلبة مشاريعهم وإبداعاتهم جماعيا في أغلب الأحيان.
_ يشرف الأستاذ بالتعاون مع الإطار الثقافي والأطراف المعنية بالمشروع على مراحل الإنجاز.
_ اعتماد أساليب جديدة للتقييم الجزائي تقطع مع المفهوم التقليدي للمراقبة.
إن السلوك المدني الحضاري والفني والثقافي يتطور ويترسخ في الناشئة بالممارسة وليس بدروس نظرية غالبا ما تكون فيها العلاقة بين المعلم والمادة المدرسية من جهة والمتعلم أو المتلقي من جهة أخرى علاقة عمودية منفرة ومملة وجافة يفرضها المناخ والفضاء الذي تدار فيه العملية التربوية.
مشروعنا يؤسس للانتقال بالمقررات التعليمية من الفضاء التربوي التقليدي إلى فضاءات أخرى، انتقالا نوعيا ومكانيا يرتقي بالناشئة من الوصاية إلى التشجيع على المبادرة ومن التهميش إلى المشاركة ومن المراقبة الصارمة إلى الحرية المسؤولة ومن الوعظ والنصح والإرشاد إلى التفاعل، والثقة، والمشاركة، والإبداع. كما أن مشروعنا يؤسس إلى دعم مؤسسات المجتمع المدني وخاصة الجمعيات ومؤسسات الدولة كدور الشباب ودور الثقافة بالأعضاء والمنخرطين عددا ونوعا.
إن تطوير المقررات التعليمية كمقرر التربية المدنية مثلا من مقررات نظرية إلى تدريبات مهنية فيها تدرب على المواطنة وعلى قبول حق الاختلاف وعلى التذوق الفني هو ما نسعى إلى مقاربته. ويكون ذلك بإخراج المقررات من الإطار المكاني الضيق كقاعة التدريس التقليدية إلى أطر مكانية أخرى كدور الشباب ودور الثقافة أو مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة المحلية والوطنية حسب برنامج يحدده الإطار التربوي (أستاذ المقرر) بالتعاون مع المؤسسات المشاركة أو المنظمات المعنية حيث يتمكن الطالب من حضور الحوارات والنقاشات، أو الندوات الفكرية، أو الممارسة الانتخابات، أو الأنشطة والتظاهرات المختلفة التي تنظمها مؤسسات المجتمع المدني أو مؤسسات الدولة كالبلديات والتفاعل معها مباشرة.
يمكن لأستاذ المادة أيضا أن يسهر على تكوين الجمعيات المدرسية انطلاقا من مبادرات الطلبة وتأطيرها في المعهد أو الجامعة أو خارجهما وتشجيع ممارسة التشاركية داخلها وتنظيم الانتخابات والإشراف على الأنشطة وكيفية توظيفها في تحقيق الأهداف المرسومة من قبل كل جمعية.
فمثلا لا تدرس مادة التربية المدنية بنظام الحصص التقليدية وإنما بطريقة جديدة تسمى “يوم المدنية” حيث يخصص يوما كاملا (6 ساعات) مرة كل شهر للقيام بالأنشطة التطوعية والممارسات المواطنية سابقة الذكر والتي تكون معدة في برنامج مسبق يضعه الأستاذ ويعلم به مختلف الأطراف المتداخلة والإطار البيداغوجي المشرف على المادة.
جعل أهداف التقييم الجزائي انجاز مشاريع يكون فيها الأستاذ طرفا مساعدا وليس طرفا مراقبا وهذا من شأنه أيضا أن يساهم في تحسين العلاقة بين المعلم والمتعلم.
تكون المشاريع في شكل دراسات لظواهر اجتماعية أو قانونية أو انتاجات فنية، مسرحية أو موسيقية من أغاني وأناشيد ولوحات تعبيرية راقصة ومعارض رسم وأفلام وثائقية واستمارات وورشات عمل ومخيمات من أجل إنتاج مواثيق قواعد العيش الجماعي أو يمكن أن تكون في شكل دراسات ميدانية للتعرف على المشاكل المتعلقة بالسياسات العامة في المجتمع المحلي لكل مجموعة من المتعلمين. وهي جميعا بمثابة أنشطة يتحمل الطالب خلالها مسؤوليات وتضعه في مواقف يمكنه التعلم منها.
- الخلاصة:
إن مشروعنا يؤسس للانتقال بالمواد التعليمية من الفضاء التربوي التقليدي الى فضاءات أخرى انتقالا نوعيا ومكانيا يرتقي بالناشئة من الوصاية إلى التشجيع على المبادرة ومن التهميش إلى المشاركة ومن المراقبة الصارمة إلى الحرية المسؤولة ومن الوعظ والنصح والإرشاد إلى التفاعل، والثقة، والمشاركة، والإبداع. كما أن مشروعنا يؤسس إلى دعم مؤسسات المجتمع المدني وخاصة الجمعيات ومؤسسات الدولة كدور الشباب ودور الثقافة بالأعضاء والمنخرطين عددا ونوعا.
مقالنا هذا يقر بخصوصية كل مقرر تعليمي وبضرورة التعامل مع ما توصلنا إليه في بحثنا من نتائج على أساس أنها مبادئ عامة فيها ما يكفي من المرونة للانسجام والتناغم مع تلك الخصوصيات، هي مبادئ نطلقها بمثابة البوصلة التي تحدد الاتجاهات الكبرى للمنهج التربوي البديل وهي تعترف في ذات الوقت بخصوصية المواد وتتعامل معها أفقيا.
المراجع
- بريتشيت ، لانت ، نحو إجماع جديد لمواجهة التحدي العالمي لنقص التعليم (29/6/2004). ورقة عمل مركز التنمية العالمية رقم 43، متوفرة على SSRN: https://ssrn.com/abstract=1112689 or http://dx.doi.org/10.2139/ssrn.1112689
Pritchett, Lant, Towards a New Consensus for Addressing the Global Challenge of the Lack of Education (6/29/2004). Center for Global Development Working Paper No. 43, Available at SSRN: https://ssrn.com/abstract=1112689 or http://dx.doi.org/10.2139/ssrn.1112689
- أنجريست وجوشوا وإريك بيتينجر وإريك بلوم وإليزابيث كينج ومايكل كريمر. 2002. “قسائم للتعليم الخاص في كولومبيا: دليل من تجربة طبيعية عشوائية.” المجلة الاقتصادية الأمريكية، 92 (5): 1535-1558. http://dx.doi.org/10.1257/000282802762024629
Angrist, Joshua, Eric Bettinger, Erik Bloom, Elizabeth King, and Michael Kremer. 2002. “Vouchers for Private Schooling in Colombia: Evidence from a Randomized Natural Experiment.” American Economic Review, 92 (5): 1535-1558.DOI: 10.1257/000282802762024629
- أنجريست، ج.د.، ولافي ، ف. (1999). استخدام قاعدة موسى بن ميمون لتقدير تأثير حجم الفصل على التحصيل الدراسي. المجلة الفصلية للاقتصاد، 114 (2) ، 533-575. https://doi.org/10.2307/2587016
Angrist, J. D., & Lavy, V. (1999). Using Maimonides’ Rule to Estimate the Effect of Class Size on Scholastic Achievement. The Quarterly Journal of Economics, 114(2), 533-575. https://doi.org/10.2307/2587016
- بيرمان ، جير ؛ سينغوبتا ، بيالي وتود ، البتراء. “التقدم من خلال PROGRESA: تقييم أثر تجربة دعم المدارس في المكسيك.” ورقة عمل ، جامعة بنسلفانيا والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية ، 2000. https://doi.org/10.1086/431263
Behrman, Jere; Sengupta, Piyali and Todd, Petra. “Progressing through PROGRESA: An Impact Assessment of Mexico’s School Subsidy Experiment.” Working paper, University of Pennsylvania and the International Food Policy Research Institute, 2000. https://doi.org/10.1086/431263
- جيجارو- جارفي، م، ميرندا -اسكولار، ب، سيدينو-ميننداز واي ت، مويانا-باسكيرا، ب ب، (2022) التعليم كأحد أبعاد التنمية البشرية: مؤشر التعليم على مستوى المقاطعات في الإكوادور. بلوس واحد 17 (7): e0270932. https://doi.org/10.1371/journal.pone.0270932
Guijarro-Garvi M, Miranda-Escolar B, Cedeño-Menéndez YT, Moyano-Pesquera PB (2022) Education as a dimension of human development: A Provincial-level Education Index for Ecuador. PLoS ONE 17(7): e0270932. https://doi.org/10.1371/journal.pone.0270932